مقال قانوني يشرح الزواج في جرائم الاعتداء على العرض
قد اعتمد التشريع الفرنسي عبر التشريع اللبناني لتقنين نصوص تشريعنا الجزائي وكان لذلك مبرراته في حينها فهذا لا يعني البتة الوقوف عند هذا الحد بل لابد من مواكبة التطورات في التشريعات المقارنة دون إهمال أدنى درجات التوافق مع جملة المعتقدات الدينية والعادات والأعراف المحلية لمجتمعنا الشرقي
ففي تشريعنا الجزائي تجد نصوص لا مثيل لها في التشريع الفرنسي على الرغم من انه المصدر وذلك لأنهم اجروا عليه تعديلات عديدة ” بالإلغاء والتعديل أو الإضافة” في حين بقي تشريعنا على حاله “مع إنه يقال ان الرافد يتغذى من النهر” وفي ذات الوقت هذه النصوص تتعارض مع الدين والأخلاق ومنطق الأمور والقانون ذاته.
ومن هنا أريد الوصول إلى حقيقة نص المادة “508” من قانون العقوبات السوري والمتعلقة بالزواج في جرائم الاعتداء على العرض في محاولة متواضعة مني لإلقاء الضوء على هذا النص التشريعي وذلك للوقوف على جدواه العملية في إطار جرائم الاعتداء على العرض وبالأخص الاغتصاب منها.
وبالتالي سنتناول في البداية التحليل القانوني لهذا النص التشريعي ومن ثم النقد الموضوعي له إن شاء الله:
أولا :تحليل نص المـادة ” 508″ من قانون العقوبات
تنص المادة “508” من قانون العقوبات على ما يلي :
إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب أحدى هذه الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المعتدى عليها أوقفت الملاحقة وإذا كان قد صدر حكم بالقضية علق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه .
يعاد الى الملاحقة أو إلى تنفيذ العقوبة قبل انقضاء ثلاث سنوات على الجنحة وانقضاء خمس سنوات على الجناية إذا انتهى الزواج إما بطلاق المرأة دون سبب مشروع أو بالطلاق المحكوم به لمصلحة المعتدى عليها.
يبدو إن مشرعنا قد أراد بهذا النص تشجيع طرفي الجريمة على ستر الواقعة وطي معالمها , وذلك بالزواج وخلق أسرة منسجمة , وربما كانت غايته كذلك الحفاظ على أخلاق وآداب مجتمع شرقي .
ولابد من التنوية إلى إن المشرع قد قصر حكم النص على الجرائم المنصوص عنها في الفصل الأول من الباب السابع من قانون العقوبات .
وهي جرائم” الاغتصاب , والفحشاء , والخطف ,والإغواء والتهتك وخرق حرمة ألاماكن الخاصة بالنساء” وبالتالي تم استبعاد الجرائم المخلة بالآداب والأخلاق العامة كالدعارة , والمخلة بآداب الأسرة كالزنا من شمول هذا النص ,وهذا أمر بديهي.
وبدورنا سنركز البحث في نص المادة 508 على جريمة الاغتصاب , ولكن دون إهمال بقية الجرائم الواقعة على العرض وإنما التركيز يكون , باعتبار أنها تتصدر قائمة هـذه الجرائم,وخطورتها, والسبب الأهم يعود إلى عدم جدوى هذا النص في إطار هذه الجريمة وغيرها … وسنفـصل ذلك في حينه .
لتطبيق نص المادة “805” لا بد من أن يكون مرتكب الجريمة ذكرا , وهذا الأمر لا يثير أي تساؤل فيما يتعلق بجريمة الاغتصاب إذ أن من المفترضات الأساسية لهذه الجريمة أن يكون من قام بالفعل الجنسي هو الذكر , فلا يتصور وقوعه من الأنثى التي تعد مجني عليها في هذه الجريمة باعتبار أن عماد الركن المادي هو فعل الإيلاج .
ولكن يمكن أن تكون الجانية أنثى. كما هو الحال في الفعل المنافي للحشمة , عندئذ لا يمكن القول بنص المادة “508 ” ولم تتعرض المحاكم لجرم أوقفت فيه الملاحقة لزواج الجانية ممن اعتدى عليه .
وهذا الأمر برأينا يشكل خللا في الغاية التي أرادها المشروع من وضع النص , خاصة إذا ما اتفق الطرفان على طي الواقعة وتكوين الأسرة وذلك على حد المقصد الواضح في هذا النص والذي نميل إلى القول بان لا محال له إذ أن الغايات المقصودة منه موضع تساؤل كبير … ؟
هذا ويقتصر حكم النص على الفاعل الأصلي , فلا يشمل كلا من الشركاء والمتدخلين في هذه الجريمة , فوقف الملاحقة أمر شخصي يتعلق بالفاعل دون سواه من المساهمين في الجريمة .
وهناك رأي يقول باستفادة المساهم الذي يتزوج بالمعتدى عليها , من وقف الملاحقة أو تعليق تنفيذ العقوبة سواء أكان فاعل أم شريك أم متدخل أو محرض .
وهذا القول مردود عليه لان المادة 508 اشترطت إن يكون الزواج قد تم بين مرتكب الجريمة والمعتدى عليها وما من شك إن عبارة مرتكب الجريمة تعني الفاعل الذي قام بالفعل الجنسي دون غيرة من المساهمين في الجريمة ولو أراد المشروع ذلك لنص عليه صراحة بعبارة” المساهم بدلا من عبارة مرتكب الجريمة” ثم انه قد يكون من المجرى العادي للأمور أن يتزوج الجاني من المجني عليها لكن لا يمكن تصور عقد زواج بين من تدخل في الجرم وبين من وقعت عليها الجريمة بمساعدة منه وغير ذلك من المبررات التي لا تدعوا للتسليم بهذا القول.
وهنالك رأي فقهي آخر يقول بعدم ملاحقة المتدخل ألا مع الفاعل الأصلي وإذا ما تم وقف الملاحقة بالنسبة للفاعل وجب وقفها كذلك بالنسبة للمتدخل دون الشريك والمحرض”لان العدالة توجب استفادته من سبب قصد المشرع فيه حماية الزوج “
ونحن نرى عدم إمكانية ذلك أمام صراحة النصوص القانونية والاجتهادات القضائية , فوقف الملاحقة ظرف شخصي يتعلق بالفاعل وحدة .
وحتى يتم وقف الملاحقة أو وقف لتنفيذ العقوبة لا بد من أن يعقد زواج صحيح بين طرفي الواقعة وان يستمر لمدة خمس سنوات على الأقل في الجنايات ومنها الاغتصاب و وثلاث سنوات في الجنح , وذلك من تاريخ هذا العقد , رغبة من المشرع في الحفاظ على الغاية والمقصد من هذا النص ….
وبالتالي إذا تم الطلاق من قبل الزوج دون سبب مشروع , أو حكم به لمصلحة الزوجة قبل انقضاء الفترة المحددة في النص كان من شان هذا الطلاق عودة الملاحقة أو تنفيذ العقاب بحق الجاني.
ومع صراحة النص القاضي بملاحقة الزوج في حال تم الطلاق بشكل غير مشروع أو حكم به لمصلحة الزوجة , قبل انتهاء المدة المحددة في النص .
ألا أن عودة الملاحقة بحق الجاني في هذه الحاله تعتبر حق مقرر لمصلحة الزوجة المعتدى عليها , وبالتالي لها أن تتنازل عن هذا الحق .
وفيما عدا حالة الطلاق غير المشروع والطلاق المحكوم به لمصلحة الزوجة , فلا يمكن القول بعودة الملاحقة أو تنفيذ العقاب حتى وأن فصمت عرى الزوجية قبل انتهاء المدة المحددة في النص , كان يتم التفريق بطلب من الزوجة , لسبب خارج عن أرادة الزوج كما لو كان مريضا مرض معين , أو أن يتم الاتفاق على المخالعة الرضائية بين الطرفين .
وتبقى مسالة تقدير مشروعية أو عدم مشروعية الطلاق من الأمور التي تفصل بها المحكمة الشرعية, ولا رقابة عليها في ذلك من قبل محكمتنا العليا .
ثانيا : النقد الذي يوجة لنص المادة “508” عقوبات
أن الاعتبارات التي حدت بمشرعنا للقول بنص المادة “508” من قانون العقوبات , ما هي إلا اعتبارات نبيلة من حيث المبدأ , لا يمكن الاعتراض عليها.
ولكن ألا يمكن التساؤل عن جدوى هذا النص في تلبية هكذا اعتبارات … في أطار جريمة كالاغتصاب ؟
نرى بان نص المادة أنفة الذكر لا مبرر له فيما يتعلق بهذة الجريمة وان كان له ذلك القدر اليسير في غيرها من الجرائم الواقعة على العرض , هذا ما ميلنا للقول بعدم جدوى النص برمته , في جميع الجرائم الواقعة على العرض إذ أن :
الزواج بسب الاعتداء ليس علاجا ً لما أصاب السمعة
فالاعتداء قد تم, وستبقى أخلاق المجتمع رافضه له , تشير إليه بكل صراحة ووضوح , وستبقى لإثارة صدى واسع على الرغم من الزواج خاصة وان هذا النوع من الجرائم لا ينال من عرض شخص أو أسرة فحسب – وان كان أكثر إيلاما لها من الغير – بل انه قد يصيب بدائه أعراض وآداب مجتمع برمته .
فالاعتداء قد تم, وستبقى أخلاق المجتمع رافضه له , تشير إليه بكل صراحة ووضوح , وستبقى لإثارة صدى واسع على الرغم من الزواج خاصة وان هذا النوع من الجرائم لا ينال من عرض شخص أو أسرة فحسب – وان كان أكثر إيلاما لها من الغير – بل انه قد يصيب بدائه أعراض وآداب مجتمع برمته .
والزواج الاضطراري المؤقت لا ينشئ أسرة سليمة
فالزوجة وأسرتها أرغمت على الزواج, والتضحية لستر سمعتها وربما كانت قاصرة في العاشرة أو أكثر قليلا , فكيف سيكون زواجها من مغتصب لها … ؟
فالزوجة وأسرتها أرغمت على الزواج, والتضحية لستر سمعتها وربما كانت قاصرة في العاشرة أو أكثر قليلا , فكيف سيكون زواجها من مغتصب لها … ؟
والزوج لم يقدم على هذا ألا للتخلص من المسؤولية الجزائية , لا حباً بمن اعتدى عليها , ولا رغبة بتوفير الأمان والطمأنينة لها فكيف بزواج عقد لهذا الغرض أو ذاك من أن يكون سليما لا يعاني الهزات نتيجتها حياة لا تطاق وأخرها الطلاق …. .
وأقول هذا لأنه النتيجة الطبيعية لمثل هذه الحالات الزوجية , لا من قبيل المبالغة أو النظرة التشاؤمية , فأحيانا الخلافات العائلية بين الزوجين في الحالات العادية قد تصل إلى حد الطلاق , فكيف لنا إن نطوي صفحة الجريمة , وان ننشأ أسرة سليمة بهذا الزواج المؤقت سيما وان من أهمية صفات الزواج الاستمرارية …؟
هذا النص ليس ألا وسيلة للتهرب من أحكام القانون
فالمعتدي هنا وبعد إن ثلم شرف المعتدى عليها , وجد في نصوص القانون ما يمكنه من إزالة المسؤولية عنه بشكل نهائي. .
فالمعتدي هنا وبعد إن ثلم شرف المعتدى عليها , وجد في نصوص القانون ما يمكنه من إزالة المسؤولية عنه بشكل نهائي. .
فبدلا من أن يضمن سجله العدلي أبشع الجرائم و وينال عقوبته الجزائية كاملة , يفضل الزواج بمن اعتدى عليها – تلك التي اضطرت للزواج لستر نفسها – لفترة يسيرة يذيق خلالها الزوجة مرارة الحياة الزوجية , فكما نعلم بأنة إذا مضت المدة المحددة في النص فلا يمكن القول بعودة الجاني إلى الملاحقة من جديد فيما إذا طلق زوجته حتى وان كان الطلاق تعسفيا …
وبالتالي بقاء المعتدى عليها تعاني من إصابة في سمعتها قد تفاقمت بطلاقها … وبقاء الجاني طليقا دون عقاب رادع … وبقاء المجتمع مهددا بالنيل من أعراضه …. !
وهذا النص يشكل الذريعة لمرتكبي جرائم الجنس
واخص بالذكر ابشعها , قاصدا جريمة الاغتصاب , فمن خلال هذا النص يتمكن الجاني من تحقيق غايته الآثمة دون عقاب .. وليس ببعيد إن يعاود ارتكاب ذات الجرائم مرات عديدة , خاصة وان مرتكبيها غالبا ما يكونوا من النوع المتحلل من القيم الخلقية والأدبية والمتمرسين في الإجرام و إذا تشير الدراسات إلى إن من أهم خصائص مجرمي الجنس وأهمها الاغتصاب” العودة إلى الإجرام والعدوانية والاندفاعية” .
واخص بالذكر ابشعها , قاصدا جريمة الاغتصاب , فمن خلال هذا النص يتمكن الجاني من تحقيق غايته الآثمة دون عقاب .. وليس ببعيد إن يعاود ارتكاب ذات الجرائم مرات عديدة , خاصة وان مرتكبيها غالبا ما يكونوا من النوع المتحلل من القيم الخلقية والأدبية والمتمرسين في الإجرام و إذا تشير الدراسات إلى إن من أهم خصائص مجرمي الجنس وأهمها الاغتصاب” العودة إلى الإجرام والعدوانية والاندفاعية” .
فبدل من إن يكون هناك رادع لأولئك المجرمين , يكون لهم نصا يتمكنون بواسطته من تحقيق ما يبتغون …! وهذا الكلام يصدق على أصحاب الجرائم البسيطة قبل الكبيرة , إذ أن من خدش حياء فتاة لن يتوانى عن اغتصابها أو ارتكاب فعل مناف للحشمة بغيرها … طالما أن هناك نصا يعفيه من المسؤولية …!
الخلاصة والتوصية
إما هذه المبررات وغيرها فإننا نناشد مشروعنا السوري بضرورة الاستفادة من نصوص اعدل الشرائع السماوية * الإسلامية*وأحدث القوانين الوضعية * الفرنسية * وان يتم إلغاء نص المادة “508” عقوبات بالنسبة لجميع الجرائم الجنسية , أو على الأقل استثناء جريمة الاغتصاب من شمول نص هذه المادة , وذلك للأسباب التي أوردناها وغيرها الكثير , والتي تشكل برأينا المبررات لهذا التعديل التشريعي المأمول , وان ينال الجاني جزاء ما اقترفت يداه حتى يكون ذالك رادعا ً له ولغيرة معززين ميلنا هذا بما تقتضي به الشريعة الإسلامية من ضرورة إيقاع الحد على المعتدي دون أن تقول بمثل هذه الأعذار.
وبما يقرره التشريع الفرنسي من ضرورة إيقاع العقوبة بحق من انتهك عرض فتاة واعتدى على حريتها الجنسية التي لها الدور الكبير في هذا التشريع , ودون أن يسمح بمثل هذا العذر.
إرسال تعليق