أحد رموز النخبة المتألقة في الحضارة العربية، في مجالاتها "العلمية والطبية والجغرافية وعلم الفلك والهندسة وعلم الاجتماع والآداب والفنون"، والملقب بأمير الأطباء وأرسطو الإسلام، إنه ابن سينا، الذي ولد في قرية أفشنة الفارسية، قرب بخاري، في أوزبكستان حالًيا، من أب من مدينة بلخ في أفغانستان حاليًا، وأم قروية.
كان ابن سينا عالمًا وفيلسوفًا وطبيبًا وشاعرًا، ولُقِّب بالشيخ الرئيس والمعلم الثالث، بعد أرسطو والفارابي، كما عرف بأمير الأطباء وأرسطو الإسلام، وكان سابقًا لعصره في مجالات فكرية عديدة، ولم يصرفه اشتغاله بالعلم عن المشاركة في الحياة العامة في عصره، فقد تعايش مع مشكلات مجتمعه، وتفاعل مع ما يموج به من اتجاهات فكرية، وشارك في صنع نهضته العلمية والحضارية.
اسهاماته كثيرة، وفى مجالات عدة، ومنها في مجال علم الفلك، حيث استطاع ابن سينا أن يرصد مرور كوكب الزهرة عبر دائرة قرص الشمس بالعين المجردة في يوم 10 جمادى الآخرة 423 ه،ـ الموافق 24 من مايو 1032م، وهو ما أقره الفلكي الإنجليزي، جير مياروكس، في القرن السابع عشر.
وفى علم النبات، كان لابن سينا دراسات علمية جادة، حيث أجرى المقارنات العلمية الرصينة بين جذور النباتات وأوراقها وأزهارها، ووصفها وصفًا علميًا دقيقًا ودرس أجناسها، وتعرف على التربة، وأنواعها، والعناصر المؤثرة في نمو النبات.
أما في مجال الفيزياء، فكان ابن سينا من أوائل العلماء المسلمين، الذين مهدوا لعلم الديناميكا الحديثة، بدراستهم في الحركة وموضع الميل القسري والميل المعاون، وإليه يرجع الفضل في وضع القانون الأول للحركة، وسبق إسحاق نيوتن بأكثر من ستة قرون وجاليليو بأكثر من 5 قرون وليوناردو دافنشى بأكثر من 4 قرون، مما يستحق أن ينسب إليه ذلك القانون، الذي كان له فضل السبق إليه، وهو "قانون ابن سينا للحركة والسكون".
حظى كتاب القانون في الطب لابن سينا على شهرة واسعة في أوروبا، حتى قال عنه وليم أوسلر: "إنه كان الإنجيل الطبى لأطول فترة من الزمن"، وترجمه إلى اللاتينية جيرارد أوف كريمونا، وطبع نحو 15 مرة في أوروبا ما بين عامي 878هـ= 1473م، و906 هـ = 1500م، ثم أعيد طبعه نحو عشرين مرة في القرن السادس عشر، وظل هذا الكتاب المرجع الأساسي للطب في أوروبا طوال القرنين الخامس والسادس عشر، حتى بلغت طبعاته في أوروبا وحدها أكثر من 40 طبعة، واستمرت جامعات إيطاليا وفرنسا وبلجيكا في تدريسه, حتى أواسط القرن السابع عشر، ظل خلالها هو المرجع العلمي الأول بها.
وقال أبو عبد الله الذهبي: "كان ابن سينا آية في الذكاء، وهو رأس الفلاسفة الإسلاميين، الذين مشوا خلف العقول، كان حنفي المذهب، تفقه على يد الإمام أبى بكر بن أبى عبد الله الزاهد الحنفي"، ورغم هذه الشهادة وغيرها الا أنه لايزال هناك من يشغلون أنفسهم بتكفير ابن سينا وزندقته.
إرسال تعليق